المشاركات الشائعة

الاثنين، 8 أبريل 2019

مدينة عزازيل (قصة قصيرة)


بالقرب منا حملة تنظيفِ واسعة  ، فاليوم الذكرى السنوية الاولى لهزيمة جنود ((عزازيل)). 

سمعت احدهم يقول بأنَّهم هُزِموا الى غير رجعة ؛ سمعته بطريقتي الخاصة لأنّي أنا ((الذي رآى كل شيء)) و أنا الذي سمع كل شيء .

في صباحٍ كانونيّ بارد خرج ابي للعمل – الذي اصبح نادراَ هذه الايام- و بعد أن حمل اول كيس طحين قابلته دورية لطيفة مِنَ الاخوة في قوات (عزازيل)
-       اخي ماهذا الذي ترتديه ؟
-       بطلون
-       اخي ، لا يجوز- بارك الله فيك-
و بكل لطفٍ و احترام جُلِدَ ابي خمسين جلدة!!!  ، و بكل محبة قصَّروا له بنطاله الى منتصف الساق ، ليوافق الشريعة الاسلامية .

عندما دخل الى البيت استقبلته امي تبكي من شدة فرحها بتطبيق الشريعة . و بهذه المناسبة (السعيدة) قررا انتاجي .
فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن لهم أن يترجموا بها انفعالاتهم . فأنا إبن تلك الكبته ، انا صرخة لم تسقط و لم تخرج بل قذفت في رحم امي . و ها انا منذ ذلك الحين ..... اصرخ ..... و لا يسمعني احد .

في الاسبوع الاول بدأ الطعام الجيد يأتيني بانتظام يومياً . اسمع و ارى حوارات امي و ابي . اليوم مثلاً اعلنوا تحرير مدينة قريبة ، فرح ابي كثيراً بينما امي ارتعدت خوفا؛ سمعتها تقرأ القرآن ... توقفت قليلاً لتطمأنني فأنا الوحيد الذي لن يصيبه شيء من بركات مولانا (عزازيل).
تطورت قدراتي على الرؤية فأنا الوحيد الذي ارى كل شيء في هذا العالم . انا الحقيقية الوحيدة ، انا العِلم العالم ، انا و انا فقط .


في الجانب الاخر من المدينة بدأ الاستعداد لإستقبال مقاتلين جدد يحاولون هذه المرة اعطاء حياة للشوارع التي فقدت عذريتها على يد مولانا (عزازيل) .

مديتنا – ولله الحمد- ستتحول في قابل الايام من سبية الى غنيمة حرب .
احداث المعركة بدأت تتسارع و انا اشارك المقاتلين روحياً ، امي ما عادت تخاف ان اموت لأنَّها تيقنت بأنَّي الناجي الوحيد . ابي لايمكنني سماع صوته منذ فترة لأنَّه قرر العمل في مكان لا اريد ان اعرفه .
بعد الاسبوع التاسع عشر في رحم امي بدأت بالتأقلم على قلة الغذاء . اسمع امي تبكي يومياً من شدة الجوع . مثلاً مثلاً ذهبنا (امي و انا) بالامس اليى بيت جارنا العزازيلي لنقترض منه بعض الطعام ، تحدث مع امي بلطافة ماكرة و اخلاقة منقطعة النظير مما جعلها تركض دون تفكير خوفاً من كرمه الدموي .
حَسَمَ ابي امر بقائنا نهائياً حيث عاد بعد غياب دام اكثر من ثلاثين اسبوعاً ، اليوم ليلاً سننطلق الى الجانب الاخر من المدينة مبعوثين للحياة من جديد متسلحين بالعدم و مدججين بالدعاء محاطين بالخوف و الترقب .
من مكان عبورنا سيقف جنرال في نهاية المعركة ليعلن النصر . ممرنا بالقرب من المكان الذي سيرفع في العلم لكن متى ؟ و بأي ثمن ؟ لا اعلم !!!
النسمات الربيعية بدت اكثر برودة اتلمس برودتها من ارتجاف احشاء امي خاصةً بعد الثالثة فجراً و نحن نسير قرب الدور العزازيلية .
احببت ان احمل عن امي قسطاً من خوفها فبدأت بمداعبتها و ممازحتها لكنها هذه المرة لم تأبه لي .
ازداد الليل ظلمة و برود و كادت ان تكون هذه الليلة هي الاطول بين ليالي الثلاثين اسبوع الماضية . بدأت امي تلهث من العطش فهي لم تأكل من اربعة ايام .


ابي و القافلة ابتعدوا عنا إثر اطلاق نار مفاجئ ؛ يبدو ان جنود عزازيل ارادوا توديعنا بطريقتهم .
حذرت امي كثيرا حذرتها مراراً و في اخر تحذير رافق صوتي صوت انفجار و رصاصتين تفادت امي شظايا التفجير بجمجمتها ، و هي تقول : انظر الى ضوء القمر من فتحات جمجمتي المهشمة بينما تفادت الرصاصتين التي كان من المفترض ان تستقرا في صدري براحة يدها .
حاولت ان احدثها ، اناجيها ، اناغيها ، لكن للاسف هذا هو الاسبوع الثاني من سقوطنا قرب هذا الجدار و لم تنهض امي و لم يعد ابي .
انام و اصحوا اسمع احاديث اولاد عزازيل و منذ فترة لم اسمع احد . هدأ كل شي. يقولون بأن الحياة عادت طبيعية لكني لا زلت لا اثق بكلامهم لأني (انا الذي رآى كل شيء) .
بدأت حملات التنظيف و البحث عن الجثث ، و قد تم تكريمي بحفل مهيب قوامه منشور على الفيس بوك في خمسة اخطاء املائية .
فالحقيقة كلها اوهام يبدو اننا نسينا انها كذلك ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق