المشاركات الشائعة

الاثنين، 8 أبريل 2019

عشر دقائق (قصة قصيرة)

صباح يوم الاحد ، ذهبت الى كنيسة ( عذراء فاطمة ) لحضور قداس تعميد المولولد الجديد لصديقي ( ريان حنا ) . أجواء الكنيسة باردة ، ورائحة الكراسي الخشبية ممتزجة مع رائحة البخور العربي و أضواء الشموع . 
صدى الترانيم الكنسية يتلئلأ في المكان . و من اعلى الصليب الكبير في منتصف الجدار يتدلى يسوع واضحاً بعد أن سقط عليه شعاع الشمس الداخل من فتحات التهوية التي يتصاعد اليها دخان البخور .
تحت الصليب الكبير يقف في منتصف المنصة قس بيده وعاء مذهب من ماء التعميد المبارك المملوء بالصلوات .
بعد سلسلة من الضحكات و القبلات يهمس في اذني ريان لنحمل صغيره ( يوسف ) لنذهب به الى مكان التعميد . الابتسامة على وجه القس و صلوات والدة ريان جعلني احمل الصغير و ريان بدأ مع القس بصب الماء المبارك على رأس الطفل . 
داهمني أنا و ريان صداع فضيع جعلنا نخلد في قيلوة قرب الماء المبارك .
ثلاثة من اصدقائنا وجدناهم يتعمدون مع الصغير لكنهم داخل الماء يعطون البركة للماء لا ليأخذوها منه . حاولنا سؤالهم قبل ان يسحبوا ايدينا لندخل معهم . 
قال ( سجاد الموسوي ) : هناك مكان لشخصين معنا انت و ريان , بركة الماء تحتاج الى قديسين اثنين لكمل نصاب الحياة الابدية . 
كان اخر اتصال بيننا و بين سجاد منذ ثلاثة سنوات عندما قال : انتظروني فإجازتي بعد يومين . إلا أنَّه هذه المرة لم يقضِ اجازته معنا بل فَضَّلَ البقاء في الماء المبارك لكي ينظف المظاريف الفرغة ( عيار 9 ملم ) من بقايا الدم العالق فيها و يرجع لونها النحاسي ؛ فحبيبته تنتظر منه عِقداً عسكرياً لتتذكره دائماً . طلب مساعدتنا في صناعة العِقد و جمع المظاريف الفارغة لكننا وصلنا متأخرين فزملاء سجاد كانوا نائمين تحت شرفة القصر المطلة على الماء المبارك لذلك رفضنا ازعاجهم . 
استيقظ احد زملاء سجاد و قد ظهر عليه التعب ، وهو يستند الى صخرة و يتحسس احد ثقوب رأسه الذي صُنِعَ لهُ حديثاً . طلب منا أن نغادر المكان فالجميع نائمون و ثقوب رؤوسهم جديدة و تألمهم حالياً...
بدأ سجاد يسير معنا جنوباُ حيث وجدنا صخب عظيم و ضيوف جدد يدخلون الى الماء المبارك يقودهم ( عثمان ) الذي يريد اخراج من لم يحن دورهم بالتعميد و اعطائهم بركة مؤقتة . 
الجسر الجميل الذي ينقل الزائرين اصبح الان ممر الى عالم البركة الدائم . و عثمان هو المُرحِب و المُستقبِل و الموُدِع لطالبي الدخول الى هذا العالم الجديد . 
انتهى اليوم بتوديع عثمان لاكثر من عشرين شخص لم يحن دور مباركتهم و استقبال اضعاف هذا العدد ليكونوا مواطنين صالحين في العالم الابدي . 
تركنا عثمان قليلاً ليقوم بواجب الضيافة لضيوفه الجدد ؛ يُأمن لهم الجو الملائم ليؤدوا مراسيم الزيارة الكاظمية . 
الان نحن و سجاد و صديقنا الجديد عثمان سنذهب لاستقبال ضيوف جدد في عالم الماء المبارك لكن هذه المرة سنتجه شمالاً الى ( الخسفة ) التي اصبحت مكاناً جديداً لأكتساب البركة . 
الدخان الاسود و رائحة الجثث عبقت جو الكنيسة و قطع من زُنار القس مع قطعة لحم سوداء كانت ملتصقة على اسفل الصليب المنكسر جراء موجة بركة عصفت بالمكان .
رجال الانقاذ و رجال الشرطة تركوا الجثث لكي يبحثوا عن اشلاء الطفل ( يوسف ) الذي التحق الى عالم الحياة الابدية . والدة ريان مصابة بنزيف حاد في الجمجمة ، القس تناثرت اشلائه بين جنبات الكنيسة ، الصليب انكسر من اسفله لكنه بقي معلق في سقف الكنيسة ، رائحة البخور تلاشت و التحمت مع رائحة الخشب المحترق . 
يبدو أن أحدهم كان يحمل تذاكر سفر الى عالم الحياة الابدية و أحب أن يوزعها على الموجودين عن طريق النداء على سلعته البائرة : ( الله اكبر ..... الله اكبر ) 
نُقِل الجميع الى المستشفى ، وفتحت السلطات – كالعادة – تحقيقاً كبيراً بالموضوع و استخدمت كل الامكانات الممكنة و في النهاية لا يمتلكون الى اسطوانة واحد ليشنفوا مسامع الجمهور بها و هي : ( حادث ارهابي جبان و الفاعل مجهول ) 

بعد كل هذا الماء المبارك و لسوء الحظ وجدت نفسي بعد عشر دقائق من الحادث مقطع الاطراف انزف من كل مكان وحدي عالشارع العام المقابل للكنيسة اتلفت و لا اشعر بأي الم ... 
لا وجود لريان فقد غطاه الماء المبارك ... 
لا وجود لسجاد و لا عثمان ...
اغلقت القضية لكي يتسنى لريان و يوسف و اصدقائهم الجدد النوم بهدوء بعيداُ عن ضوضاء التحقيقات الصاخبة ..

مرت عشر دقائق اخرى و انا على الشارع الى حملني رجال الانقاذ و انا اردد بيت لوليد الصراف : 
لومات منا امرؤ في الارض ندفه لو ماتت الارض قلي اين ندفنها

للتواصل اضغط هنا :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق